languageFrançais

أسطول كسر الحصار عن غزة.. هل تتحقق الرسائل؟

شهدت الساحة الدولية مؤخرًا خطوات متقدمة لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان والحصار، حيث قررت عدة دول الاعتراف بدولة فلسطين، وتزايدت المبادرات الإنسانية والسياسية للتضامن معه.

وفي هذا السياق، برز أسطول الصمود كأحد أبرز الرموز العملية للتضامن، إذ انطلق مجموعة من النشطاء نحو غزة بهدف كسر الحصار، وإيصال رسالة واضحة بأن إرادة الشعوب والمبادرات المدنية قادرة على مواجهة القمع والظلم، وإبقاء قضية فلسطين حية في الوعي العالمي.

محطات تاريخية في رحلة الأساطيل نحو غزة

منذ فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة سنة 2007، تحولت المعابر والبحر إلى رموز للاختناق والعزلة، فبدأت منظمات مدنية وحقوقية دولية تبحث عن طرق رمزية وعملية لتحدي هذا الواقع. وكانت أولى المحاولات سنة 2008، حين انطلقت قوافل بحرية صغيرة تحمل نشطاء من أوروبا وأمريكا، نجحت لبعض الوقت في الوصول إلى شواطئ غزة، لتفتح بذلك صفحة جديدة في سجل المقاومة المدنية ضد الحصار.

لكن المحطة المفصلية جاءت في ماي 2010 مع "أسطول الحرية"، الذي ضم ست سفن من بينها السفينة التركية "مرمرة". كان على متنها مئات المتطوعين من أكثر من ثلاثين دولة، جاؤوا حاملين مساعدات إنسانية ورسالة سلام. غير أنّ البحرية الإسرائيلية هاجمت الأسطول في المياه الدولية، ما أدى إلى مقتل عشرة نشطاء أتراك وإصابة آخرين، في حادثة هزت الرأي العام الدولي وأحدثت أزمة دبلوماسية حادة بين أنقرة وتل أبيب، لتصبح "مرمرة" رمزًا للتضامن العالمي مع غزة.

ورغم القمع الدموي، تواصلت المحاولات. ففي السنوات اللاحقة أُطلقت مبادرات جديدة مثل "أسطول الحرية 2"، و"سفينة نساء من أجل غزة" سنة 2016، إلى جانب محاولات متفرقة بين 2011 و2018 شاركت فيها منظمات أوروبية وآسيوية. ورغم أن معظم هذه القوافل تم اعتراضها قبل الوصول إلى غزة، فإنها نجحت في إبقاء الحصار حاضرًا في النقاش الدولي، وأظهرت أن التضامن الشعبي قادر على تجاوز حدود الجغرافيا والسياسة.

ماهي السفن التي أبحرت؟

إلى حدود يوم الخميس، انطلقت أربع عشرة سفينة ضمن مبادرة أسطول الصمود المغاربي، حاملة معها رسالة تضامن مع غزة وإرادة مدنية لكسر الحصار. وشملت السفن أسماء مختلفة، منها ميا ميا، أمسترام، جاد الهنشيري، علاء الدين، ميجيتا (هند رجب)، مالي، أداجيو، ميتاك (مالك الصغيري)، ياسر جرادي، قيصر صمود، موال ليبيا، تيكو، فارس خالد وأنس الشريف، ما يعكس تنوع المشاركين وتعدد المبادرات الفردية والجماعية في دعم القضية الفلسطينية. وتأتي هذه الرحلات لتؤكد أن أسطول الصمود ليس مجرد سلسلة سفن، بل حركة مستمرة تجمع بين الرمزية الإنسانية والهدف السياسي، في محاولة لإبقاء قضية غزة حية في الوعي المحلي والدولي.

المخاطر الأمنية التي تواجه أساطيل كسر الحصار

لم تكن أساطيل كسر الحصار مجرّد رحلات بحرية تحمل مساعدات إنسانية، بل تحوّلت إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر في عرض البحر، حيث تتقاطع المبادرات المدنية مع الحسابات العسكرية والسياسية. فمنذ التجارب الأولى، كان الاعتراض العسكري المباشر أبرز التهديدات، إذ تعتبر البحرية الإسرائيلية أي محاولة لكسر الحصار تهديدًا أمنيًا يستوجب المواجهة. ويُعد الهجوم الدموي على سفينة مافي مرمرة سنة 2010 أوضح مثال على ذلك، حيث تحولت رحلة تضامنية إلى مواجهة دامية أودت بحياة عشرة نشطاء.

لكن الخطر لا يتوقف عند حدود الاشتباك العسكري، فالنشطاء غالبًا ما يواجهون سيناريو المداهمة والاعتقال القسري، حيث تُسحب السفن بالقوة إلى موانئ إسرائيلية ويُحتجز ركابها لساعات أو أيام قبل ترحيلهم، في ظروف نفسية صعبة تزيد من معاناتهم. وإلى جانب ذلك، تمثل الجوانب التقنية واللوجستية تحديًا إضافيًا، إذ تنطلق هذه السفن بإمكانات محدودة وتجهيزات بسيطة، ما يجعلها عرضة للأعطال والمخاطر البحرية الطبيعية.

أما على المستوى السياسي، فإن الدول أو الجمعيات التي تحتضن هذه المبادرات لا تسلم من الضغوط، إذ تسعى إسرائيل وحلفاؤها إلى ثنيها عن المشاركة عبر التهديدات الدبلوماسية أو التشويه الإعلامي. وغالبا ما تُتهم الأساطيل بخدمة "أجندات سياسية" أو بمحاولة تهريب مواد محظورة، في مسعى لنزع الشرعية عن تحركاتها الإنسانية.

ورغم كل هذه التحديات الأمنية والعسكرية والإعلامية، تواصل الأساطيل شق طريقها، لتثبت أن الإرادة الشعبية قادرة على مواجهة الخطر، وأن البحر يمكن أن يكون ساحة مقاومة مدنية لا تقل رمزية عن أي ساحة نضال أخرى.

 

 

استمرارية المبادرة؟

رغم التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه أساطيل كسر الحصار، فإن مبادرة أسطول الصمود تفتح أفقًا جديدًا لإعادة إحياء التضامن الشعبي مع غزة. فنجاحها لا يُقاس فقط ببلوغ الشواطئ المحاصرة، بل أيضًا بقدرتها على إعادة تسليط الضوء على الحصار وجذب الرأي العام العالمي إلى قضية باتت مهددة بالنسيان.

استمرارية المبادرة تبقى ممكنة إذا ما توافرت ثلاثة عناصر أساسية الإرادة الشعبية التي تؤمن بأن العمل الرمزي قادر على صناعة فرق، الدعم المدني والحقوقي الدولي الذي يمنحها غطاء قانونيًا وسياسيًا، والموارد اللوجستية التي تضمن تكرار الرحلات بأمان أكبر. كما أنّ انخراط الفضاء المغاربي والعربي في هذه التحركات قد يشكل إضافة نوعية، إذ يحول المبادرة من جهد معزول إلى حركة إقليمية مستمرة.

ورغم أن اعتراض السفن سيبقى قائمًا، فإن تكرار المحاولات وحده يشكل رسالة سياسية قوية مفادها أن الحصار، مهما طال، لن يتحول إلى أمر واقع مقبول. وبالتالي، فإن أسطول الصمود ليس مجرد حدث عابر، بل قد يكون بذرة لحراك مدني مستمر يجعل من البحر فضاءً للمقاومة الرمزية ضد الاحتلال.